الأحد، 28 نوفمبر 2010

الفضل

الفضل في اللغة هو الزيادة وأفضلَ من الشيء أبقى منه بقية. وعند الرياضيين العرب كان يُطلَق على البقية الباقي والفضل والفضلة والتفاضل والتفاوت

بهذه المقدمة اللغوية استهل الدكتور عاصم ضيف أستاذ الرياضيات بكلية الهندسة جامعة القاهرة كتابه حساب التفاضل والتكامل الذي طالما انتظرته المكتبة العربية إذ يُلبِّى مطلب التعريب لدى جموع المثقفين والمجامع اللغوية في الوطن العربي . وهو أول مرجع جامع شامل للعلم باللغة العربية. ويمتاز الكتاب عن المراجع الغربية بمزجه التاريخ بالمادة العلمية؛ وهو اتجاه رائد لم يسبقه إليه أحد إذ يُؤرِّخ لعلم التفاضل والتكامل منذ بداية نشأته عند أرشميدس أشهر رياضيّي الحقب القديمة والمُؤسِّس الأول لعلم التكامل ،  فالتسلسل التاريخي للعلم بدأ بالتكامل لا بالتفاضل كما يُدرَس العلم في الجامعات الآن
ويُركِّز المؤلف على دور العرب الباهر فيه مثل دور ابن الهيثم العالم الفيزيائي الذي عاش بمصر في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي والذي استطاع تعميم متطابقات أرشميدس لتوسعة رقعة تطبيق العلم كما اعترف العلماء الغربيون بذلك وأنه ساهم في اكتشاف ما يُسمَّى اليوم بمجموع ريمان. كما عرض المؤلف لحساب الكاشي للنسبة "ط" بدقة بالغة لم يصل إليها رياضيُّو القرن السابع عشر وهو العالم الذي عاش في سمرقند في أوائل القرن الخامس عشر ويُعدُّ بحق أبًا للتحليل العددي مثلما كان الخوارزمي أبًا لعلم الجبر وقد أرسى طريقة هورنر لحل المعادلات قبله بأربعة قرون. والمعروف أن للعرب إسهامات في طرق حل المعادلات مثل تقريبات الجذور للخوارزمي والطوسي وطريقة حساب الخطأين لقسطا بن لوقا وهى أصل ما يُسمَّى اليوم بطريقة الوضع الزائف. ولعمر الخيام الشاعر والفيلسوف المعروف إسهامات في حل معادلات الدرجة الثالثة ولأبى الوفاء البوزجاني طريقة لحل معادلات الدرجة الرابعة وأعلن الخيام أن معادلة فيرمات الأخيرة من الدرجة الثالثة ليس لها حل وهى المعادلة التي ثَبُتَ أنه ليس هناك قيم صحيحة موجبة تحققها في حالتها العامة إلا في هذا القرن ومنذ عدة سنوات فقط
ويُؤرِّخ الكتاب للفترة الزاهرة لمكتبة الإسكندرية وهى ليست مكتبة بالمعنى الحديث على الرغم من ضمِّها لعدد 800000 بردية علمية بل هي جامعة درس فيها أشهر رياضيّي العصور القديمة مثل أرشميدس، وإقليدس، وأبولونيوس ثالث أشهر رياضي في الجامعة وعُرف بلقب إبسلون وهو رقم غرفته فيها حيث كانت الغرف مرقَّمة في هذه الأكاديمية، وأراتستين المصري أول جغرافي في العالم قاس قطر الأرض بدقة بالغة تقارب القياس الحالي ولقبه بيتا وكان راعيا للمكتبة لفترة طويلة وهى وظيفة شرفية ، وبطليموس الفلكي المصري الذي كتب كتاب الفلك الشهير "المجسطي" وقد اعتمدت جداوله حتى عصر النهضة، وبابوس، ومينلوس، وهيرون المصري صاحب نظرية حساب مساحة المثلث بدلالة أطوال أضلاعه، وثيون وابنته هيباتيا، وديوفانتوس عالم الجبر المعروف
وهذا المزج العظيم بين الحضارتين المصرية واليونانية هو الذي أثرى الحياة العلمية لدول البحر الأبيض المتوسط فغدت الإسكندرية عاصمة العالم القديم العلمية ومكتبتها أول جامعة دولية عرفها العالم، حتى فيثاغورث وإن كانت المكتبة أُنشئت بعده لم يُعلن عن النظرية المعروفة باسمه إلا بعد أن زار مصر، وكذلك زارها أفلاطون من أشهر فلاسفة مدرسة أثينا ويحدثنا سترابو أن منزله في هليوبوليس كان معروفاً. كما يُشير المؤلف إلي بردية أحمس (كاتب وليس الملك أحمس) والمسائل المشروحة بها مثل حساب قيمة "ط" وحساب مساحة الدائرة بطريقة شبيهة بطريقة أخذ النهاية وإلى نسب الأهرامات اللافتة للنظر والنسبة الذهبية الجمالية التي عرفها المصريون القدماء قبل إقليدس وهى تحدد نسب وأبعاد بعض المقابر أيضا
والكتاب يُعدّ بذلك محاولة رائدة وفريدة من نوعها أنفق المُؤلف في إعداده سنين طويلة لا ليكون مرجعا فقط للعلم بل ليخاطب دوائر رحبة من المثقفين. وللمؤلف مراجع بالإنجليزية منشورة بكبرى دور النشر في العالم لكنه يقدم هذا الكتاب لأبنائه من الطلاب والدارسين العرب ليُطلعهم على دور أجدادهم في العالم. ويُركِّز على دور مصر العلمي الإسلامي الرائد حين يذكر أن ابن الهيثم كتب كتابه "المناظير" بالقاهرة وإقليدس كتب كتابه "الأصول" بالإسكندرية وهو أشهر كتاب علمي في التاريخ على الإطلاق فصدر منه ألف طبعة حتى الآن ، والمعروف أن أصل إقليدس مشكوك فيه حتى أن المؤرخ سميث لا يستبعد أن يكون مصريا
وأخيرا يُلبِّى الكتاب حاجة التدريس للعلم بالطرق غير التقليدية مثل الاستعانة بالبرامج المتخصصة التوضيحية وهو مطلب لإصلاح تدريس التفاضل والتكامل تدعو إليه الجامعات في العالم. والكتاب يحشد عددا وفيرا من الأمثلة المشروحة وضعها المؤلف بنفسه وصمَّمها بحيث تبيِّن تطبيق النظريات. كما يحوي الحلول الكاملة للمسائل وهي تربو علي الألفين سواء الزوجية منها أو الفردية لا كما تفعل المراجع الغربية من إدراجها للفردية فقط في حلول مسائلها. وأخيرا فقد استعان المؤلِّف بالوسائل المساعدة مثل الوسائط المتعددة لكي يشرح المبادئ الأساسية للعلم وهو اتجاهٌ لم يسبقه إليه أحد من المؤلفين العرب


وعد الزهراني s4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق